1- تعريف الدعوى الكيدية:
هي مطالبة المدعي غيره بأمر لا حق له فيه بغير وجه حق مع علمه بذلك، فهي دعوى غير حقيقية الهدف منها الإضرار بالآخرين والإساءة لسمعتهم او تعطيل أعمالهم او الضغط عليهم للصلح أو التنازل وبمعنى آخر هي استغلال حق الفرد في التقاضي لتحقيق مصالح شخصية بغير وجه حق واستغلال الإلمام بالنظم والقواعد الفقهية والقانونية في توجيه الاتهامات الباطلة بهدف إحقاق باطل أو إبطال حق، للضغط على الخصم وإجباره على التنازل أو الصلح، أو ابتزازه مادياً لتحقيق بعض المكاسب غير المشروعة.
2- عناصر الدعوى الكيدية:
يجب أن يتوفر في الدعوى الكيدية عنصر إلحاق الضرر بالمدعى عليه ويكون ذلك بانتقاص حقه وجحده، أو رفض منحه هذا الحق، أو ابتزازه مادياً بمحاولة الحصول على تعويض مادي منه، أو معنوياً بإلحاق الأذى والضرر بسمعته نتيجة اتهامات كاذبة لا أساس لها من الصحة، حيث جرى القضاء على ان اي دعوى كيدية تسببت في حدوث ضرر مادي أو أدبي يترتب عليها الحق في طلب التعويض.
3- مكان قيد الدعوى المطالبة بالحقوق ضد الدعوى الكيدية:
ترفع دعوى المطالبة بالتعويض عن الضرر الناتج من الدعوى الكيدية بطلب عارض أو بدعوى مستقلة لدى القاضي الذي نظر الدعوى الكيدية.
حيث نصت المادة (3) فقرة (5) من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية على الاتي:
للمتضرر في الدعاوى الصورية او الكيدية المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر بطلب عارض او بدعوى مستقلة لدى الدائرة نفسها ويخضع الحكم لطرق الاعتراض.
4-عقوبة الشخص الذي قام بقيد الدعوي الكيدية:
من السهولة ان يدعى اى شخص أن هذه الدعوى كيدية لعدم ثبوت الحق فيها ولكن لابد من الانتباه الى أن كل دعوى لم يثبت الحق فيها ليست بالضرورة ان تكون كيدية ما لم يثبت ركن قصد الضرر، وأهم شيء لمدعى كيدية الدعوى لفت انتباه المحكمة إلى قصد الضرر وأنه ليس هنالك مصلحة من دعوى المدعي ضده سوى إيقاع الضرر به وبمصالحه، وإذا تحققت القناعة القضائية تجاه كيدية الدعوى يقوم الحق في المطالبة بتعزيز المدعي بسبب دعواه كالاتي:
(أ) عقوبة مقيد الدعوى الكيدية في الفقه الإسلامي:
اورد فقهاء الشريعة الإسلامية على أن للقاضي إذا تبين له أن دعوى المدعي كيدية، يريد بها مجرد الإساءة والظلم والتعدي وإلحاق الضرر بالمدعى عليه أن يعزره ويردعه ويزجره ويكف أذاه.
قال ابن فرحون: “من قام بشكيةٍ بغير حق أو ادعى باطلاً فينبغي أن يؤدب”.
وقال البهوتي : “وإذا ظهر كذب المدعي في دعواه بما يؤذي به المدعى عليه عُزِّر لكذبه وأذاه للمدعى عليه, وقد تُرك للقاضي تقدير العقوبة التعزيرية بما يقتضيه اجتهاده من توبيخ للمدعي، وإغلاظ القول عليه، أو الضرب، او الحبس، بحسب جسامة الضرر الواقع على المدعي، لأن المقصود من التعزير الزجر، وأحوال الناس مختلفة فيه فهناك من يزجره التوبيخ وهناك من يزجره الضرب والسجن ..الخ.
وكذلك نقل الخلاف فيه ابن فرحون حيث قال: “واختلفوا في عقوبة المتهم على قولين والصحيح منهما أنه يعاقب، لكبح جماح تسلط أهل الشر على أعراض الناس.
(ب) عقوبة مقيد الدعوى الكيدية في النظام:
أخذ نظام المرافعات الشرعية، ولوائحه التنفيذية، بما تقرر عند الفقهاء من تعزير من قام بشكيةٍ بغير وجه حق، أو ادعى باطلاً حيث جاء في الفقرة (2) من المادة (3) من نظام المرافعات الشرعية انه: «إذا ظهر للمحكمة أن الدعوى صورية أو كيدية وجب عليها رفضها، ولها الحكم على من ثبت عليه ذلك بتعزيره).
كما نصت اللائحة التنفيذية في المادة (3) الفقرتين (4-6) على الاتي:
الفقرة (4): للدائرة تعذير كل من ثبت تواطؤه في الدعوى الصورية او الكيدية كالشاهد والخبير ونحوهما.
الفقرة (6): يكون الحكم بالتعزير في كيدية الدعوى او صوريتها مع الحكم برفض الدعوى -ان أمكن- وبخضع لطرق الاعتراض.
إذا ثبت لناظر القضية أن دعوى المدعي صورية او كيدية حكم برد الدعوى، وله الحكم بتعزير المدعي.
وقد تركت اللائحة التنفيذية لناظر القضية تحديد نوع التعزير ومقداره بما يحقق الردع والزجر، وفقاً لما قرره أهل العلم من وجوه التعزير ويكون سماع المطالبة بالتعزير؛ بعد الحكم برد الدعوى الأصلية، واكتساب الحكم القطعية، وفقاً لما جاء في الفقرة السادسة من اللائحة التنفيذية للمادة الثالثة من نظام المرافعات الشرعية.
5-التعويض عن أضرار الدعوى الكيدية:
في حال تكبد المدعى عليه أضراراً مالية، من نفقات أو مصروفات، أو أضراراً معنوية، وذلك بسبب إقامة الدعوى الكيدية ضده، وإلزامه بالدخول فيها، يحق له المطالبة بالتعويض عما لحقه من أضرار؟ ونبينها كالاتي:
(أ) التعويض عن الضرر المادي في الدعوى الكيدية في الفقه:
أجاز بعض الفقهاء لمن يدعى كيدية الدعوى المطالبة بالتعويض لما لحقه من ضرر بسبب رفع الدعوى عليه بغير حق، ومن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حيث اورد: “من غرم مالاً بسبب كذب عليه، عند ولي الأمر، فله تضمين الكاذب عليه بما غرمه” وقال البهوتي: “وإذا ظهر كذب المدعي في دعواه؛ بما يؤذي به المدعى عليه عُزِّر لكذبه وأذاه للمدعى عليه، قلت: ويلزمه ما غرمه بسببه ظلماً، لتسببه في غرمه بغير حق”.
وجاء في فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (ت: 1389) رحمه الله تعالى، في خطاب موجه لفضيلة رئيس محكمة الباحة بالنيابة: “بخصوص استرشادكم عمن يتعمد المشاغبة، والإضرار بغيره، عن طريق المداعاة، وما تستلزمه المداعاة من نفقات السفر والإقامة لها ونحوه.
ونفيدكم: أن للحاكم الشرعي الاجتهاد في مثل هذه الأمور، وتقرير ما يراه محققاً للعدل، ومزيلاً للظلم والعدوان، زاجراً من يتعمد الإضرار بإخوانه المسلمين، رادعاً غيره ممن تسوّل لهم أنفسهم ذلك.
وقد جاءت نصوص الشريعة، من الكتاب والسنة النبوية، دالةً على مشروعية جبر الأضرار المادية بالتعويض المالي، وذلك لأن من ألحق ضرراً بغيره فهو ضامن لذلك، والضرر سبب من أسباب الضمان، ومن ذلك قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: من الآية194]، وقوله سبحانه: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: من الآية126]، وقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: من الآية40] وقد ذكر أهل التفسير أن من معاني هذه الآيات، أن من أُصيب بمظلمة؛ فله أن ينال من ظالمه مثل مظلمته لا يتعداه إلى غيره، ويأخذ منه مثل الذي أُخذ منه(64) وفي هذا تقرير لمبدأ التعويض القائم على العدل والإنصاف في استيفاء الحق.
و من السنة ما روى أنس بن مالك رحمه الله قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يدَ الخادم، فسقطت الصحفة، فانفلقت(65)، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فِلَق الصحفة ثم جعل يجمع الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: غارت أُمُّكم، ثم حبس الخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسِرَت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كَسَرَت”(66).وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار”(69).
فقد دلت هذه الأحاديث على مشروعية التعويض، وضمان من تسبب في إلحاق الضرر بالآخرين، صيانة لأموال الناس من الاعتداء، وجبر ما نقص منها بالتعويض.
(ب) التعويض عن الضرر المعنوي في الدعوى الكيدية في الفقه:
الضرر المعنوي، أو الأدبي، هو اذى يُصيب الشخص في شعوره، أو عاطفته، أو كرامته، أو شرفه، أو أي معنى من المعاني التي يحرص عليها.
والتعويض المالي عن الضرر المعنوي؛ لم يتكلم عنه الفقهاء المتقدمون، فهو مصطلح حديث حيث جاء في الموسوعة الفقهية (72): “لم نجد أحداً من الفقهاء عبَّر بهذا – الأضرار المعنوية – وإنما هو تعبير حديث، ولم نجد في الكتب الفقهية؛ أن أحداً من الفقهاء تكلم عن التعويض المالي في فيما يتعلق بالأضرار المعنوية” وقد اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم التعويض المالي عن الضرر المعنوي على مدرستين:
المدرسة الاولى:
عدم جواز التعويض المالي عن الضرر المعنوي، وبه قال طائفة من المعاصرين، منهم: الشيخ علي الخفيف والشيخ مصطفى الزرقا وغيرهما.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
أولاً: أن قواعد الفقه الإسلامي تأبى التعويض عن الضرر المعنوي، لأن التعويض بالمال يقوم على الجبر بالتعويض، وذلك بإحلال مال محل مال فاقد مكافئ، لرد الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الضرر وإزالة للضرر، وجبراً للنقص، وذلك لا يتحقق إلا بإحلال مال محل مال مكافئ له، ليقوم مقامه ويسد محله، وكأنه لم يضع على صاحب المال الفاقد شيئاً، وليس ذلك بمستحق في الضرر المعنوي.
ثانياً: أن أخذ الإنسان للتعويض، عما لحقه من ضرر في عرضه، يعتبر من باب أخذ المال على العرض، وهذا غير جائز.
قال الحطاب “ومن صالح من قذف على شقص، أو مال، لم يجز، وردّ، ولا شفعة فيه، بلغ الإمام أم لا… وجعله من باب الأخذ على العرض مالاً”.
ثالثاً: أن مبدأ التعويض المالي عن الأضرار المعنوية، له محذور واضح، وهو أن مقدار التعويض ليس دقيقا ولا ينضبط بضابط، بينما يظهر في أحكام الشريعة الحرص على التكافؤ الموضوعي بين الضرر والتعويض، وهذا متعذر حدوثه في هذه الحالة.
رابعاً: إن الضرر المعنوي، لا يجبره التعويض المالي، ولذلك وضعت الشريعة ما يناسبه من الزواجر التعزيرية، وهذا تعويض قد يكون كافيا، يُزيل آثار الضرر في السمعة، ويشفي غليل المتضرر، ويُعيد له بعض اعتباره.
المدرسة الثانية:
جواز التعويض المالي عن الضرر المعنوي، وبه قال بعض المعاصرين منهم الشيخ محمود شلتوت والدكتور محمد فوزي فيض الله وغيرهما، واستدلوا على ذلك بما يأتي:
أولاً: ما روى عن عبد الله بن سلام، في قصة إسلام زيد بن سعنة وفيها: قال: زيد بن سعنة، فدنوت إليه فقلت له: يا محمد، هل لك أن تبيعني تمراً معلوماً من حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا؟ فقال: لا يا يهودي، ولكن أبيعك تمراً معلوماً إلى أجل كذا وكذا، ولا أسمي حائط بني فلان” قلت: نعم فبايعني صلى الله عليه وسلم، فأطلقت همياني، فأعطيته ثمانين مثقالاً من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا…….. ثم قال: “إنا كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر، أن تأمرني بحُسن الأداء، وتأمره بحسن اتباعه اذهب يا عمر فاقضه حقه، وزده عشرين صاعاً من غيره مكان ما رُعته”.
ووجه الاستدلال بهذا الحديث: فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر أن يزيد زيد بن سعنة عشرين صاعاً؛ تعويضاً بسبب الروع الذي سببه له عمر، والروع ضرر معنوي، فدل الحديث على جواز التعويض عن الضرر المعنوي.
ثانياً: ما جاء عن أبي يوسف من تلاميذ الإمام أبي حنيفة، في الشجة إذا التحمت ولم يبق لها أثر، بأن فيها أرش الألم، وهو ضرر معنوي، فيقال عليه غيره من الأضرار المعنوية، فيجوز فيها التعويض المالي.