مقدمة:
قسمة التركات من أهم أقسام نظام الأحوال الشخصية في المملكة العربية السعودية حيث أرستها الشريعة الإسلامية ونظمتها وأوجبت وفائها لمستحقيها وفق ما شرعه الله سبحانه وتعالى مرضاةً له وخوفاً منه، فهي تعد من القضايا المالية التي تشتد فيها المطالبة والمنازعة، فالأساس أن الورثة هم أقرب الناس لبعضهم البعض، لذلك حرص المنظم السعودي على وضع القواعد والإجراءات العامة التي تنظم قسمة التركات بين الورثة لدعم العلاقات الإجتماعية بين الأقارب وتنظيم النزاعات التي قد تطرأ بينهم، وهذا الأمر يعد في مجمله مستمد من الشريعة الإسلامية، ومن هنا سنتعرف على أهم الإجراءات والخطوات التي يجب إتخاذها حال وجود تركة يُرغب في تقسيمها بين الورثة.
أولا: الإختصاص الولائي والنطاق المكاني للنظر في إجراءات تقسيم التركة:
تطبق المحاكم على القضايا والطلبات المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية، وفقًا لما دل عليه الكتاب والسنة، وتختص محاكم الأحوال الشخصية في البت بهذه القضايا والطلبات وذلك وفق المادة (33) من نظام المرافعات الشرعية، كما أن إختصاص المحكمة يقع في إختصاص مكان إقامة المدعى عليه، فإن لم يكن له محل إقامة في المملكة فيكون الإختصاص للمحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها مكان إقامة المدعى، أما في حال عدم وجود محل إقامة للمدعى أو المدعى عليه في المملكة، فإنه يحق للمدعى إقامة دعوى قسمة التركة في إحدى محاكم مدن المملكة السعودية، بالإضافة أنه في حال تعدد المدعى عليهم يكون الإختصاص للمحكمة التي يقع في نطاق إختصاصها مكان إقامة أكثرهم.
ثانياً: المقصود بالتركة:
التركة هي ما يخلفه الإنسان بعد موته من الأموال والحقوق المالية والعينية.
ثالثاً: ترتيب الحقوق في التركة:
تُرتَّب الحقوق المتعلقة بالتركة بحسب الآتي:
- تجهيز الميت بالمعروف.
- قضاء الديون، ويقدم منها ما كان متعلقاً بعين من التركة.
- تنفيذ الوصية.
- قسمة ما يبقى من التركة على الورثة.
أوجبت المادة (198) من نظام الأحوال الشخصية بعض الأمور الواجب أداءها قبل قسمة التركة على الورثة، وهي تجهيز الميت بالمعروف بمعنى الأخذ من التركة نفقة تجهيز الميت وتكفينه، وقضاء الديون التي تكون في ذمة الميت ويقدم منها ما كان متعلق بعين من التركة، وتنفيذ الوصية وهي التي تعرف بالتصرف بمال على وجه التبرع مضاف إلى ما بعد موت الموصي وفق المادة (169) من ذات النظام، ثم أخيراً قسمة ما يتبقى من التركة على الورثة حسب الفروض وأصحابها.
وبذلك يتضح بأنه لا يمكن تقسيم التركة بين الورثة بشكل مباشر ولا يمكن البدء في إجراءات التقسيم إلا بعد الإنتهاء من الحقوق التي تسبقها.
رابعاً: الفُرقة بين الزوجين في الحياة تمنع إرث أحدهما من الآخر إلا في حالتين:
- إذا كان الطلاق رجعيَّا، فيتوارثان ما دامت المرأة في العدة.
- إذا طلق الرجل في مرض الموت دون طلب من المرأة، فترثه ما لم تتزوج قبل وفاته.
خامساً: الإجراءات التي يجب إتخاذها قبل البدء في قسمة التركة:
يجب على الورثة قبل الدخول في إجراءات قسمة التركة في السعودية بينهم حسب نوعها، البدء في إتخاذ عدة خطوات هامة تؤدى في نهاية الأمر لسهولة حفظ كل وارث لحقة في التركة المقسمة، ففي البداية يجب على الورثة استصدار شهادة وفاة المتوفى، لأنه لا تركة إلا بوفاة حقيقية أو حكم قضائي وفق المادة (199) من نظام الأحوال الشخصية، ثم يقوم الورثة بعد إستصدار شهادة الوفاة بإستصدار ما يسمى بصك حصر الوراثة، بحيث يقرر القاضي ثبوت وفاة المورث فيه وتاريخ وفاته والورثة المنحصر الإرث عليهم حيث يتم تقديم طلب إنهائي بإصدار صك حصر الورثة لدى محكمة الأحوال الشخصية بحسب النطاق المكاني للورثة ، بالإضافة إلى ذلك أهم خطوة يجب أن يتخذها الورثة هي استخراج صك ولاية قاصر حال وجود قاصر بينهم شريك في الإرث، وهذا الصك يستخرج حال كان القاصر سناً أو عقلاً.
سادساً: إجراءات قسمة التركة الرضائية بين الورثة:
إن قسمة التركه بالتراضي تتم بإتفاق جميع الورثة على تقسيم جميع التركة فيما بينهم، بحيث يجتمع جميع الورثة والوكيل الشرعي عن الورثة الغائبين عن الإجتماع، ويقومون جميعهم بحصر كلاً من الديون المتعلقة بعين التركة والديون المتعلقة بذمة المورث وأيضاً الديون المعدومة التي يظهر عدم إمكانية تحصيلها، ثم يقومون بحصر جميع أعيان تركة المورث والتي يمكن أن تكون عقارات أو شركات أو مؤسسات أو أملاك أخرى، أو أموال نقدية أو أسهم شركات أو سندات دين، ويكمن أيضاً أن تكون منقولات كالملابس والهواتف والسيارات ، كما أنه في حال عدم قدرة الورثة على معرفة جميع أموال المورث، فيحق لهم مخاطبة أي جهة رسمية مثل وزارة التجارة، هيئة السوق المالية، دون اللجوء للقضاء ،بعد الحصر يتم البدء في تقييم جميع أعيان التركة تقييم تفصيلي، حيث يمكن إجراء التقييم من خلال مقيم مرخص له، حتى يتم إستخلاص نصيب كل وارث حسب الأنصبة الشرعية، بعد ذلك يسدد الورثة كافة الديون الثابتة على المورث ويتم السداد بموجب مخالصات مع الدائنين يتم توثيقها، ثم يقوم الورثة بحجز أي مبالغ تتعلق بوصية من التركة، وأخيراً يتم تقسيم التركة بين الورثة حسب النصيب الشرعي لكل منهم ويقومون بتوقيع ورقة إثبات القسمة ويوقعون أيضاً على إقرار بحدوث القسمة بالرضاء فيما بينهم دون أي إكراه أو غبن، فإذا كان من بين الورثة قاصر وتم التراضي على القسمة فأنه يجب على الورثة إثبات القسمة لدى محكمة الأحوال الشخصية، كما أنه بعد كل ذلك يحق للورثة التوجه للجهة الرسمية المختصة لإفراغ ملكية مال المورث لهم وفق القسمة ، والجدير بالذكر أن ورقة إثبات القسمة بطريق الرضاء بعد الإنتهاء من قسمة التركة لها الحجية في مواجهة جميع الورثة ولا يجوز نقضها.
سابعاً: إجراءات قسمة التركة بالإجبار وأسبابها:
قد يتعذر تقسيم التركة بين الورثة بالرضاء، فيلجأ البعض منهم إلى إقامة دعوى قسمة التركه، بحيث يتم تقسيمها تحت إشراف القضاء وتتم إجراءات إقامة دعوى قسمة التركة بين الورثة إبتداء بتحرير صحيفة الدعوى المتضمنة للمعلومات الهامة مثل تاريخ وفاة المورث وتحديد التركة التي خلفها أي كان نوعها، بحيث يتم تحديد كل نوع من أنواع التركة تحديد تفصيلي واضح، مع تذييل صحيفة الدعوى بطلب الحكم بقسمة التركة وإعطاء كل وارث نصيبه وحقه، وعلى هذا يجب أن يتم تقديم بعض المستندات الهامة أثناء السير في الدعوى كصك حصر ورثة المتوفى وصك الولاية على الورثة القصر وصك الوصية حال وجدت وصكوك الوكالة من الورثة البالغين وكشف بحسابات المتوفى في البنوك حال وجودها وشهادات ملكية الأسهم وصكوك العقارات ثم يحصر القاضي أملاك المورث التي يجب على جميع الورثة الإفصاح عنها ويحق له في حال إمتناع أحد الورثة عن الإفصاح بما يملكه المورث أن يأمر بإحضاره والقبض عليه ، ويحق أيضا للورثة أثناء سير دعوى قسمة التركة تقديم طلبات عارضة شريطة أن تكون تلك الطلبات متوافقة مع الطلب الأصلي في دعوى قسمة التركة، بمعنى أنه يحق لهم أن يطلبوا قسمة منافع الأموال المشتركة أو طلب تعيين حارس قضائي ، كما أن دعوى قسمة التركة لا يتم وقف سيرها إلا بأمر حال كانت منازعات القسمة يمكن أن تؤدى إلى إستغراق التركة، فتأمر المحكمة بوقف الدعوى لحين الفصل في تلك المنازعات، وفى نهاية الأمر تصدر المحكمة حكمها بعد إنتهاء القاضي من حصر ديون المورث وأملاكه، حيث يقوم بسداد تلك الديون من أموال التركة إن وجدت، ويقسم الباقي على الورثة حسب نصيب كل منهم الشرعي.
ثامناً: حسبة المواريث:
م | الوارث | نصيبه/ا | الشروط | التعصيب |
1 | الزوج | النصف | بشرط عدم الفرع الوارث للزوجة ذكرا كان أو أنثى | لا يوجد |
الربع | إذا وجد فرع وارث للزوجة. | لا يوجد | ||
2 | الابن | تعصيب | —— | ——— |
3 | البنت | النصف | بشرط انفرادها | يعصبها الإبن |
4 | بنت الإبن | النصف | بشرط انفرادها | إبن الإبن وإن نزل، إذا كان في درجتها أو كان أنزل منها |
5 | الأخت الشقيقة | النصف | بشرط انتفاء الشقيق والأب وإن علا وولد الإبن ذكرا كان أو أنثى | يعصبها الأخ الشقيق
إذا وجدت مع البنات أو بنات الابن البنات يرثن بالفرض، و الأخوات الباقي بالتعصيب
|
6 | الأخت للأب | النصف | بشرط انفرادها عن الأخ والأخت للأب وعمن ذكر في الشقيقة | يعصبها الأخ لأب
إذا وجدت مع البنات أو بنات الابن.البنات يرثن بالفرض، و الأخوات الباقي بالتعصيب
|
7 | الزوجة | الربع | إذا لم يكن للزوج فرع وارث. | لا يوجد |
الثمن | إذا كان للزوج فرع وارث | لا يوجد | ||
8 | الأم | السدس | بشرط وجود الولد أو ولد الإبن أو اثنين فأكثر من الإخوة وارثين أو محجوبين. | لا يوجد |
الثلث | بشرط عدم الفرع الوارث وعدم إثنين فأكثر من الإخوة | لا يوجد | ||
9 | الأب | السدس | بشرط وجود الولد أو ولد الإبن ذكرا كان أو أنثى. | لا يوجد |
10 | الأخ للأم أو الأخت للأم | السدس | بشرط أن يكون واحدا ذكرا كان أو أنثى وبشرط انفراده عن الأب والجد والولد وولد الإبن ذكرا كان أو أنثى | لا يوجد |
11 | المتعدد من الإخوة للأم | الثلث | بشرط انفرادهم عن الأب وعن الجد للأب وعن ولد الإبن ذكرا كان أو أنثى. | لا يوجد |
12 | ابنتان فأكثر | الثلثان | بشرط انفرادهما عن الإبن | لا يوجد |
13 | بنتا الإبن فأكثر | الثلثان | بشرط انفرادهما عن ابن الإبن في درجتهما. | لا يوجد |
14 | الشقيقتان فأكثر | الثلثان | بشرط انفرادهما عن الشقيق وعن الأب وإن علا وعن الفرع الوارث | لا يوجد |
15 | الأختان للأب فأكثر | الثلثان | بشرط انفرادهما عن الأخ للأب وعمن ذكر في الشقيقتين. | لا يوجد |
16 | الجد إن كان مع إخوة | الثلث | وكان الثلث أحظى له | لا يوجد |
17 | بنت الإبن ولو تعددت | السدس | بشرط أن لا يكون معها ابن ابن في درجتها. | لا يوجد |
18 | الأخت للأب ولو تعددت | السدس | بشرط كونها مع شقيقة واحدة وانفرادها عن الأب والأخ للأب والولد ذكرا كان أو أنثى. | لا يوجد |
19 | الجدة إذا كانت منفردة | السدس | سواء كانت لأم أو لأب فإن اجتمعت جدتان قسم السدس بينهما إن كانتا في رتبة واحدة أو التي للأم أبعد فإن كانت التي للأم أقرب اختصت بالسدس | لا يوجد |
20 | الجد للأب | السدس | عند وجود الولد أو ولد الإبن وعدم الأب. | لا يوجد |
مثال توضيحي مبسط:
توفي رجل وترك زوجة وله منها أربع أولاد ذكور وثلاثة بنات قسمة هذه التركة تكن كالتالي:
- للزوجة الثمن لوجود الفرع الوارث ، وذلك لقوله تعالى: (( فان كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم)).
- ما بقي من التركه فيقسم على الأولاد والبنات للذكر مثل حظ الانثيين، وذلك لقولى تعالى: ((يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين)).
تاسعاً: إجراءات التنفيذ بعد صدور الأحكام النهائية عن طريق وحدة الإسناد والتصفية:
- بعد صدور الحكم النهائي وتذييله بالصيغة التنفيذية يتم تقديم طلب التنفيذ إلى محكمة التنفيذ المختصة بحسب النطاق المكاني للمحكمة مصدرة الحكم.
- يُصدر قاضي التنفيذ قرار بمحضر مفتوح ويُسند مهمة بيع العقار محل الطلب إلى وحدة الإسناد والتصفية.
- تقوم وحدة الإسناد والتصفية بتشكيل لجنة لتقييم العقار محل طلب التنفيذ.
- تقوم وحدة الإسناد والتصفية بتعيين وكيل لبيع العقار محل طلب التنفيذ.
- يقوم وكيل البيع بتحديد زمان ومكان المزاد العلني لبيع العقار على أن لا تقل قيمة البيع عن التقييم المحدد من قبل وحدة الإسناد والتصفية.
- يقوم وكيل البيع بإرسال محاضر البيع إلى وحدة الإسناد والتصفية.
- تقوم وحدة الإسناد والتصفية بتزويد الدائرة بمحاضر البيع حتى تُصدر الدائرة قرار بالترسية.
- بعد صدور قرار الترسية يتم نقل ملكية العقار إلى المشتري عن طريق كاتب العدل لدى وحدة الإسناد والتصفية.
- بعد نقل الملكية يتم إرسال قيمة البيع للدائرة حتى تتم قسمتها بين الورثة كلاً حسب نصيبه الشرعي.
لقد اكتسبنا خلال هذه المقالة رؤى جديدة تتعلق بأهمية الدقة والشفافية في تنفيذ الإجراءات القانونية المتعلقة بالتركات والمواريث بالإضافة إلى تمكنا من استيعاب أفضل الأساليب التي يمكننا من خلالها تطبيق هذه القوانين لتجنب الخلافات وتحقيق العدالة في توزيع الأصول والممتلكات، حيث يعتبر اكتسابنا لهذه المعرفة فرصة لنا لتحقيق التطبيق الأمثل للقوانين الخاصة بهذا المجال ونطمح إلى تحقيق عدالة أكبر وتقديم مساهمة إيجابية في تنظيم وتوزيع التركات والمواريث بشكل صحيح وفقًا للأصول القانونية.